الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

الغرائز عند فرويد


استخلاصات من كتاب الأنا و الهو لسجموند فرويد

 الفصل الرابع

 أنواع الغرائز

    يجب أن نميز بين مجموعتين من الغرائز وأولى هاتين المجموعتين هي (إيروس) وهي لا تشمل فقط الغريزة الجنسية الحقيقة التي لم يتناولها الإعلاء والدوافع الغريزية المُشتقة منها والتي تناولها الإعلاء وإنما تشمل أيضاً غريزة حفظ الذات التي يجب أن تنسب إلى الأنا .
أما المجموعة الثانية من الغرائز: فقد اعتبرنا السّادية ممثلة لهذه المجموعة وقد اقتضت بعض الاعتبارات التي أيدها علم البيولوجيا أن نفترض وجود غريزة الموت ومهمتها إعادة الحياة العضوية إلى حالة غير حية.
وتكون كل من هاتين المجموعتين من الغرائز مرتبطة بعملية فسيولوجية خاصة (عملية البناء أو الهدم) ولذلك من الممكن إن يصبح جزء معين من المادة المُمثل الرئيسي لإيروس ولا يلقى هذا الغرض ضوءاً على الكيفية التي تكون بها هاتان المجموعتان من الغرائز متحدتين الواحدة بالأخرى إما إن ذلك يحدث بانتظام وبكثرة بالغة أو انه يحدث نتيجة لتجمع الكائنات الحية ذات الخلية الواحدة في كائنات حية كثيرة الخلايا أن يبطل فعل غريزة الموت الخاصة بالخلية الواحدة بطلاناً تاماً وان يحول اتجاه دوافع الهدم نحو العالم الخارجي بوساطة عضو خاص وهذا العضو هو الجهاز العضلي وهكذا يبدو إن غريزة الموت قد أصبحت غريزة هدم متجهة نحو العالم الخارجي وقد يتم ذلك بطريقة جزئية فقط.
ما دمنا سلمنا بفكرة اتحاد هاتين المجموعتين من الغرائز فلا بد أن نسلم باحتمال إنفصالها الواحدة عن الأخرى انفصالاً كاملاً أو جزئياً و يعتبر العنصر السّادي مثلاً للاتحاد الغريزي الذي يؤدي خدمة مفيدة كما يعتبر الانحراف الذي تصبح فيه السّادية مستقلة بنفسها مثالاً نموذجياً للانفصال ولو انه ليس انفصال كامل ومن هنا ندرك أن غريزة الهدم إنما تقوم في العادة بخدمة إيروس في أغراض التفريغ وإن انفصال الغرائز والظهور الواضح لغريزة الموت إنما هما من أهم النتائج التي يسببها كثير من الأمراض العُصابيّة الشديدة مثل الأمراض العُصابيّة القهرية.
والآن سنوجه اهتمامنا إلى التضاد القائم بين الحب والكره بدلاً من التضاد القائم بين هاتين المجموعتين من الغرائز وتبين الملاحظة أن الحب يكون دائما مصحوب بالكره (التناقض الوجداني) بشكل لم يكن متوقعاً وان الكره غالباً ما يكون مقدمة للحب في العلاقات الإنسانية و كثيراً ما يتحول الكره إلى حب والحب إلى كره فإذا كان ذلك التحول شيئاً أكثر من مجرد التعاقب الزمني الاصبح من الواضح انه لا يوجد دليل لذلك التمييز الأساسي بين غرائز الحب وغرائز الموت وهو التمييز الذي يقتضي وجود عمليات فسيولوجية متعارضة .
فقد نجد شخصاً ما يحب شخصاً آخر ثم يكرهه بعد ذلك لان ذلك الشخص قد أعطاه سبباً لفعل ذلك وفي حالات أخرى نجد فيها مشاعر الحب التي لم تتضح بعد قد أخذت تعبر عن نفسها في أول الأمر باتجاهات الخصومة والعدوان فهنا تكون العناصر الخاصة بغريزة الهدم في الشحنة النفسية المتجهة نحو الموضوع قد سبقت العناصر الخاصة بغريزة الحب وان عناصر الحب قامت فيما بعد باللحاق بعناصر الهدم ولكن هناك حالات في علم النفس الأمراض العُصابيّة التي نجد فيها من المبررات القوية مما يجعلنا نفترض حدوث التحول ففي مرض البارانويا الاضطهادية (وهو ذهان تتسلط فيه على المريض أوهام تتعلق بتعقب الناس له ومُحاولتهم إيذائه والاعتداء عليه) يتخذ المريض طريقة للدفاع عن نفسه ضد رغبة جنسية مثلية شديدة للغاية متجهة نحو شخص معين بحيث ينجم عن ذلك أن يتحول الشخص الذي كان موضوع الحب إلى شخص مضطهد ثم يصبح موضوعاً لدوافع المريض العدوانية التي غالباً ما تكون خطيرة وقد بين البحث التحليلي بوجود مرحلة سابقة يتحول فيها الحب إلى كره فإن مصدر الجنسية المثلية وكذلك المشاعر الاجتماعية الغير جنسية إنما تشمل مشاعر التنافس الشديد التي تؤدي إلى نزعات عدوانية يعقبها بعد أن يتم التغلب عليها حب الموضوع الذي كان يُكره سابقاً أو تقمص شخصيته.
فهناك اتجاه للتناقض الوجداني موجود منذ البداية ويحدث التحول عن طريق نقل الشحنة النفسية على سبيل رد الفعل وبهذا التحول تنسحب الطاقة من دافع الحب وتنضم إلى دافع العدوان ولا يتحول الكره تحولاً مباشراً إلى الحب فقد اعتبرنا كأنه توجد في العقل (سواء في الأنا أو الهُو) طاقة قابلة للنقل تكون في ذاتها محايدة ولكنها تستطيع أن تنضم إلى دوافع الحب أو دوافع الهدم وبذلك تتغير كيفيتها تبعاً لاختلاف كيفية هذه الدوافع وعلى زيادة مقدار شحنتها النفسية الكلية.
ولكن من أين تأتي هذه الطاقة وما دلالتها ؟ إن الطاقة المحايدة القابلة للنقل والتي يحتمل أن تكون نشيطة في الأنا والهوا على السواء إنما تصدر عن الناحية النرجسية من الليبدو أي إنها عبارة عن إيروس مجرد من الطاقة الجنسية (فان غرائز الحب بصفة عامة أكثر مرونة من غرائز الهدم وأكثر منها قابلية للتحول والنقل) وبناء على ذلك نستطيع أن نفترض إن هذا الليبدو القابل للنقل انما يقوم بخدمة مبدأ اللذة ليزيل التجمع وليسهل التفريغ.
ومن الممكن أن نصف تلك الطاقة بأنها متساوية لأنها لازالت متحفظة بغرض إيروس الأساسي وهو التوحيد والربط ـ مادامت تعين في تحقيق هذه الوحدة أو هذا الاتجاه نحو الوحدة وهي خاصية يمتاز بها الأنا على وجه خاص وإذا اعتبرنا العمليات العقلية بمعناها العام داخلة ضمن حالات النقل هذه لوجب أن تكون طاقة العمل الفكري نفسه مستمدة من مصادر جنسية متسامية .
وننتهي مرة أخرى إلى أن الإعلاء قد يحدث بانتظام عن طريق الأنا وهذا يلقي الضوء على إحدى الوظائف الهامة للانا من حيث علاقته بإيروس فبحصول الأنا على الليبدو من الشحنات النفسية المتجهة نحو الموضوعات وبجعل نفسه الموضوع الوحيد للحب وبتجريد ليبدو الهُو من طاقته الجنسية أو بإعلائها فانه إنما يعمل بذلك ضد الأغراض التي يهدف إليها إيروس كما انه بذلك يضع نفسه في خدمة الدوافع الغريزية المضادة لإيروس فهو مضطر إلى الاستسلام إلى بعض الشحنات النفسية الأخرى الصادرة عن الهُو نحو بعض الموضوعات كما انه مضطر إلى الاشتراك فيها.
ويبدو أن هذا يتضمن امتداد هام للنظرية النرجسية ففي البداية كان جميع الليبدو متجمعاً في الهُو في حين كان الأنا لا يزال في مرحلة التكوين أو لم يكن قد استكمل قوته بعد ثم اخذ الهُو يرسل جزءاً من هذا الليبدو إلى الشحنات النفسية المتجهة نحو موضوع الحب بينما اخذ الأنا وقد أصبح قوياً
يحاول أن يحصل على الليبدو المتجه نحو الموضوع وان يفرض نفسه على الهُو كموضوع للحب وهكذا نرى أن نرجسية الأنا إنما هي أمر ثانوي قد اكتسب نتيجة ارتداد الليبدو عن الموضوعات .
ان غرائز الموت هي بطبيعتها صامتة وان صخب الحياة إنما يصدر في الغالب عن إيروس ويصدر أيضاً عن الكفاح ضد إيروس! و إن مبدأ اللذة يقوم بخدمة الهُو كمرشد له في كفاحه ضد الليبدو وهو القوة التي أدخلت مثل هذه الاضطرابات في الحياة وإن كان صحيحاً إن الحياة خاضعة لمبدأ الاتزان الثابت الذي قال به ((Fechner فهي إذن عبارة عن هبوط مستمر نحو الموت وتصبح أهداف إيروس أي الغرائز الجنسية تعمل على إيقاف هذا الهبوط في صورة حاجات غريزية وان تعمل على إحداث توترات جديدة ويقوم الهُو بوقاية نفسه ضد هذه التوترات فهو يقوم بأسرع ما يمكن بإشباع النزعات الجنسية المباشرة وذلك بتفريغه للمواد الجنسية التي هي عبارة عن حامل جيد للتوترات الجنسية وقذف المواد الجنسية أثناء العملية الجنسية يشبه على نحو ما الانفصال بين البدن وبروتوبلازم الجرثومة.
وهذا يفسر الشبه بين الموت والحالة التي تعقب الإشباع الجنسي التام كما انه يفسر حدوث الموت أثناء عملية الاتصال الجنسي عند بعض الحيوانات الدنيا فهذه الكائنات تموت لان غريزة الموت تجد الحرية الكاملة لتحقيق أغراضها بعد أن يتم طرد ايروس في عملية الإشباع وأخيراً يقوم الأنا بمعونة الهُو في عمله الخاص بالتغلب على التوترات وذلك بإعلائه لبض الليبدو من اجل نفسه ومن اجل أغراضه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

المساهمون

Powered By Blogger