الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

الأنا و الأنا الأعلى : فرويد

الأنا و الأنا الأعلى (الأنا المثالي):
 

استخلاصات الفصل الثالث من  كتاب الانا و الهو


إن الاضطراب المؤلم المعروف بالمالنخوليا و هي مرض عقلي يتميّز بحالة من الكآبة تسود المريض , و من أعراضها : الإكتئاب و فقدان الاهتمام بالعالم الخارجي و فقدان القدرة على الحب و الشعور بالنقص و الميل نحو تأنيب الذات و لومها مما يؤدي إلى التوقع الوهمي للعقاب . الأنا عند هؤلاء الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب قد استعاد أحد موضوعات حبِّهِ القديمة , أي أنه قد استبدل حبَّه لهذا الموضوع بتقمُّص شخصيته في أول الأمر . أثناء المرحلة الفهميّة البدائيَّة عند الفرد , يكون من الصعب جداً التمييز بين حب الموضوع و التقمّص , و نفترض أن حب الموضوع يصدر عن الهو الذي يشعر كأنها حاجات , و يفطن الأنا الذي لا يزال ضعيفاً إلى حبه للموضوع و هو إما يستسلم لهذا الحب و إما أن يحاول أن يقي نفسه منه بعمليّة الكبت .
إن التغير الذي يطرأ عن الأنا هو عبارة عن وسيلة يستطيع بها الأنا أن يقبض على زمام الهو و أن يوثق علاقته به و هو يدفع ثمن لذلك استسلامه لخبرات الهو إلى درجة كبيرة . و عندما يتخذ الأنا صفات الموضوع , فإنه يقوم بفرض نفسه على الهو كموضوع للحب و يحاول أن يهوِّن من أمر ضياع ذلك الموضوع بقولِه : ( انظر إنني أشبه الموضوع أيضاً فأنت تستطيع أن تحبني كذلك ) .
إن تحول الليبدو المتعلق بالموضوع إلى ليبدو نرجسي , و هو ما يحدث في هذه الحالة , إنما يتضمن بوضوح التخلي عن الأهداف الجنسيّة . أي يتضمَّن عمليّة سحب الطاقة الجنسيّة , فهو إذن عبارة عن نوع من الإعلاء. فمن الممكن أن تحول الطاقة النفسيّة المتعلقة بالرغبة الجنسيّة نحو أنواع كثيرة من النشاط الغير جنسي , كالألعاب الرياضيّة و الآداب و الفنون . و تُعرَف عملية تجريد الدافع الجنسي من طلقته الجنسيّة بـ(سحب الطاقة الجنسيّة) , أما عمليّة سحب الطاقة الجنسيّة من هدفها الجنسي و تحويلها إلى أهداف غير جنسيّة , تكون مقبولة من المجتمع , فتُعرَف بالإعلاء أو التسامي و هذه هي الطريقة العامة للإعلاء التي تتم بواسطة الأنا .
و بالرغم مما في ذلك من خروج عن موضوعنا , إلا أننا لا نستطيع أن نتجنّب توجيه اهتمامنا نحو تقمصات الأنا للموضوعات . فإذا تغلبت هذه التقمصات على الأنا , و إذا كثر عددها و ازدادت شدَّتُها , و تعارض بعضها مع البعض الآخر , قد ينتج عن ذلك تمزيق لوحدة الأنا . ذلك حينما تأخذ المقاومات تفصل هذه التقمصات المختلفة عن الشعور الواحدة بعد الأخرى . و مهما أصبحت قدرة الشخص على مقاومة تأثير حبه السابق المهجور للموضوع , فإن آثار التقمصات الأولى التي تتم في الأيام الأولى من الطفولة ستكون عامة و باقية للأبد .
و هنا نعود إلى نشأة الأنا المثالي , إذ ورائها يكمن أول و أهم التقمصات و هو تقمص شخصيّة الأب . إن الموضوع كله معقد جداً , و يرجع تعقيد المشكلة إلى عاملين :
1- الصفة الثلاثيّة لموقف أوديب: و هو الموقف الذي تظهر فيه عقدة أوديب و تتلخص في حب الطفل لأمه و كرهه لأبيه و تسمى أوديب الإيجابية , أما حب الطفل لأبيه و كرهه لأمهِ , و هو الاتجاه الذي تسلكه البنت عادةً و يسمى عقدة أوديب السلبيّة . تُطلق عقدة أوديب الكاملة على الحالات التي تظهر فيها عقدة أوديب السلبية و الإيجابيّة عند الطفل الواحد . فقد يحب الطفل أمه أحياناً و يشعر بالتناقض الوجداني تجاه أبيه مما يؤدي إلى تقمص شخصيّة الأب , و قد يحب نفس الطفل أباه أحياناً أخرى و يشعر بالتناقض الوجداني نحو أمه مما يؤدي إلى تقمص شخصيّة الأم . إن عقدة أوديب الكاملة ترجع إلى الثنائية الجنسيّة الموجودة في طبيعة كل طفل . و تتوقف الصورة النهائية التي تتخذها عقدة أوديب على مقدار عناصر الذكورة و الأنوثة الموجودة بالفطرة في طبيعة كل فرد , و على التجارب و الخبرات الشخصيّة التي تعرّض لها في مرحلة الطفولة .
2- الثنائيّة الجنسيّة في بنية كل فرد: و هي وجود خصائص الذكورة و الأنوثة في شخص واحد و تظهر الثنائيّة الجنسيّة بصورة عضويّة حينما توجد أعضاء تناسل الرجل و المرأة في شخص واحد و تُعرف هذه الحالة بالخنوثة . و قد تظهر الثنائيّة الجنسيّة بصورة سيكولوجيّة فقط و ذلك حينما توجد الخصائص و الصفات السيكولوجيّة لكل من الذكورة و الأنوثة .
و تتوقف شخصيّة الفرد و خُلقُهُ إلى حد كبير على مقدار الكبت و التدعيم الذي يتعرض له كل نوع من هذه العناصر في مرحلة الطفولة .
*و يمكن وصف حالة الطفل الذكر في أبسط صورها كما يلي:
يبدأ الولد الصغير في سن مبكرة يشعر بالحب نحو أمّه وهو حب في الأصل متعلق بثدي الأمّ وأول حالة من حالات اختيار الموضوع تنشأ على صورة الاعتماد على الأمّ وهنا يقوم الولد بتقمص شخصيّة الأب وتبقى هاتان العلاقتان جنباً إلى جنب لفترة حتى تأخذ الرغبات الجنسيّة المُّتجهة نحو الأمّ تزداد في الشدة ويبدو الأب كأنه يعوّق تحقيق هذه الرغبات وعن ذلك تنشأ عقدة أوديب ثم يأخذ تقمص شخصيّة الأب صفة عدائية ويتحول إلى رغبة في التخلص من الأب لكي يأخذ مكانه من الأمّ وتصبح علاقته الوجدانية مع الأب متناقضة وهذا أمر طبيعي في التقمص ويتكون من موقف التناقض الوجداني نحو الأب وعلاقة الحب الشديدة نحو الأمّ (مضمون عقدة أوديب الإيجابية)وبزوال عقدة أوديب يصبح من الواجب على الولد أن يتخلى عن حب أمّه وقد يُملأ مكانها أحد الأمرين:
إما بتقمص شخصية الأمّ ،أو زيادة شدّة تقمصه لشخصية أبيه والنتيجة الثانية هي السَّوية لأنها تسمح لعلاقة الحب نحو الأمّ بالبّقاء على نحو ما ويؤدي زوال عقدة أوديب إلى تأكيد صفة الذكورة في الولد وبنفس الطريقة تؤدي عقدة أوديب في البنت زيادة شدة تقمصها لشخصية أمها وتأكيد صفات الأنوثة فيها .
وهناك حالات أخرى تلاحظ عند البنات أكثر من الأولاد وهي أن البنت الصغيرة بعد أن تتخلى عن أبيها من حيث هو موضوع حُبها تأخذ في إظهار ذكورتها وفي تقمص شخصية أبيها (أي تقمص شخصية الموضوع المفقود) بدلاً من تقمص شخصية أمّها وهذا يتوقف على درجة شدة الذكورة في استعدادها الطبيعي.
ويتضح من خبرتنا بالتحليل أن أحد عنصري عقدة أوديب يكون في كثير من الحالات غير ظاهر فيما عدا بعض الآثار الطفيفة بحيث تكون النتيجة وجود سلسلة تقع عقدة أوديب الإيجابية على أحد طرفيها وعلى الطرف الآخر عقدة أوديب السلبية بينما تتكون الحالات المتوسطة من نوع عقدة أوديب الكاملة التي ترجح فيها كفة أحد عنصري عقدة أوديب وعندما تُحل عقدة أوديب فإن الاتجاهات التي تتكون من هذه العقدة تتجمع على نحو ما بحيث تؤدي إلى تقمص شخصية الأب وإلى تقمص شخصية الأمّ وإن النتيجة العامة لعقدة أوديب تشكيل أثر في الأنا يتكون من هذين النوعين من التقمص مجتمعين معاً على نحو ما.
وليس الأنا الأعلى مجرد أثر خلفته اختيارات الموضوع المبكرة التي قام بها الهُو ولكنه يمثل أيضا تكوين رد فعل قوي ضد هذه الاختيارات وليست علاقته بالأنا قاصرة على إتباع هذا القانون ( ينبغي عليك أن تكون كذا وكذا مثل أبيك ) ولكنها أيضاً تشمل هذا التحريم ( لا يجب عليك أن تفعل كل ما يفعل فهناك أشياء كثيرة تعتبر من حقوقه الخاصة ) وينشأ هذا الازدواج في علاقة الأنا المثالي من قيامه بمهمة كبت عقدة أوديب وذلك لم يكن بالأمر السهل فقد كان الطفل يدرك أن الوالدين وخاصة الأب يقفان عقبة في سبيل تحقيق الرغبات الأوديبية ولذلك قام أنا الطفل بتقديم هذه المعونة لتحقيق هذا الكبت وذلك بإقامة نفس العائق في داخل نفسه وقد استعار الطفل قوته على القيام بهذه المهمة من الأب فالأنا الأعلى تقوم بالإبقاء على خُلُق الأب وكلما اشتدت وطأة عقدة أوديب كلما كان كبتها يتم بسهولة ( تحت تأثير السلطة والتعاليم الدينية و التعليم) ، كانت سيطرة الأنا الأعلى على الأنا فيما بعد أشد و تظهر هذه السيطرة بصورة الضمير أو الإحساس اللاشعوري بالذنب فإن نشأة الأنا الأعلى تَظهر نتيجة عاملين :أحدهما العامل البيولوجي ،والآخر عامل تاريخي أي أنه يحدث نتيجة الفترة الطويلة التي يقضيها الإنسان في حالة ضعف واعتماد على الغير أثناء طفولته ونتيجة عقدة أوديب التي بَينا أن لكبتها علاقة بظهور مرحلة الكمون التي تعطل نمو الليبدو وبظهور النشاط المزدوج التي تتميز به الحياة الجنسية عند الإنسان فإن فرويد يرى بأن الحياة الجنسية تظهر عقب الولادة مباشرة وتمر بمراحل مختلفة :

*المرحلة الأولى: هي المرحلة الفميّة وتتميز بحصول الطفل على اللذة من منطقة الفم .
*المرحلة الثانية: هي المرحلة الإستية تبدأ حوالي نهاية العام الأول ويحصل الطفل فيها على اللذة عن طريق التبرز، وتظهر فيها بوضوح ميول الطفل العدوانية .
*المرحلة الثالثة: هي المرحلة القضيبية وتبدأ في السنة الثانية أو الثالثة وهي تتميز ببدء اهتمام الطفل بعضو الذكر التناسلي وفي هذه المرحلة تبلغ الحياة الجنسية عند الطفل ذروتها وفيها تقع المرحلة الأوديبية إذ يأخذ الطفل يشعر بميل جنسي نحو أمه ويكره أباه وينتهي الأمر بالوالدين إلى تهديد الطفل بالخصاء ويؤدي ذلك إلى قيام الطفل بكبت عقدة أوديب.
*المرحلة الرابعة: هي مرحلة الكمون وتبدأ عادة حوالي السنة الخامسة أو السادسة وتستمر حتى مرحلة المراهقة وهذه المرحلة يتميز بها الإنسان وليس لها نظير عند الحيوانات ، وفي هذه المرحلة يهدأ النشاط الجنسي عند الطفل وتأخذ طاقته الجنسية تنصرف نحو كثير من أنواع النشاط الغير جنسي .
فالأنا المثالي إذن وريث عقدة أوديب وهو أقوى الدوافع وأهم التقلبات اللبيدية في الهُو وبتكوين هذا الانا المثالي يقوم الأنا بالتغلب على عقدة أوديب كما يقوم في نفس الوقت بوضع نفسه تحت سلطة الهُو فبينما يقوم الأنا على الأخص بتمثيل العالم الخارجي أي الواقع يقوم الأنا الأعلى على العكس من ذلك بتمثيل العالم الداخلي أي الهو فإن الصراع الذي ينشب بين الأنا والانا المثالي يعكس بالنهاية الخلاف بين ما هو واقعي و ما هو نفسي أي بين العالم الخارجي والداخلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

المساهمون

Powered By Blogger