الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

الانا و الهو لدى فرويد

الأنا و الهُوا 


استخلاصات الفصل الثاني من كتاب الانا و الهو

أصبحت معرفتنا كلها بدون استثناء مرتبطة باللاشعور . و حتى معرفتنا باللاشعور , ليس من الممكن أن تتم إلا بجعلهِ شعورياً , و لكن كيف يمكن ذلك ؟ ما هو معنى قولنا (بجعلهِ شعوريّاً) ؟ و كيف يحدث ذلك ؟
الشعور هو سطح الجهاز العقلي , و قد جعلناهُ وظيفة لجهاز هو من الناحية المكانيّة أول ما يتصل به من العالم الخارجي (ما أثبتهُ البحث التشريحي).
إن جميع الإدراكات التي تصلنا من الخارج ( الإدراكات الحسيّة) , و من الداخل ما نسميها الإحساسات و المشاعر الوجدانيّة, إنما هي شعوريّة من البداية . و لكن ما هو شأن تلك العمليات الداخلية التي قد نُطلق عليها في شيء من الغموض اسم (العمليات الفكريّة)؟! . إنها عبارة عن عمليات بديلة للطاقة العقليّة , تمّت في مكان ما داخل الجهاز أثناء اتجاه هذه الطاقة نحو الحركة . و لسنا ندري هل تقترب هذه العمليات الفكريّة من سطح الجهاز الذي يسمح حينئذ بحدوث الشعور , أم أنّ الشعور هو الذي ينتقل إليها ؟ و هذه إحدى الصعوبات التي تنشأ عندما يبدأ الإنسان بأخذ النظريّة المكانية للحياة العقليّة بصورة جديّة , و كِلا هذين الاحتمالين لا يمكن تخيُّله و لا بدَّ أن يكون هناك احتمال ثالث .
سبق أن افترضنا أن الفرق الحقيقي بين المعنى (أو الفكرة) اللاشعوري و المعنى قبل اللاشعوري , إنما يتلخص في أن المعنى الأول ينشأ من مادة تظل غير معروفة , بينما يكون المعنى الثاني قبل الشعور و , بالإضافة لذلك , مرتبطاً بعض الصور اللفظيّة . يبدو إذن أن هذا السؤال ( كيف يُصبِح المعنى شعوريّاً ؟) , يُمكن أن يُوضّح بطريقة أفضل , على هذه الصورة (كيف يُصبِح المعنى شعوريّاً ؟) . و يُصبِح الجواب هو : (بأن يرتبط بالصور اللفظيّة المطابِقة لهُ) , و هذه الصور اللفظيّة هي الآثار الباقية في الذاكِرة و قد كانت في وقتٍ ما إدراكات حسّيّة , و تستطيع مثل جميع الآثار الباقية في الذاكرة أن تُصبِح شعوريّة مرَّة أخرى .
إن ذلك الشيء الذي كان إدراكاً حسّيّاً شعوريّاً , هو وحدهُ الذي يستطيع أن يُصبِح شعوريّاً . و إن أي شيء يأتي من الداخل (ما عدا المشاعر الوجدانيّة) و يُحاول أن يُصبِح شعوريّاً , يجب أن يُحوِّل نفسه إلى إدراكات حسّيّة خارجيّة . و من الممكن أن يحدث ذلك عن طريق الآثار الباقية في الذاكرة .
إننا نتصوَّر الآثار الباقية في الذاكرة بأنها مُجاوِرة لجهاز الإدراك الحسّيّ-الشعوري مُباشرةً . و بذلك تستطيع الشحنات النفسيّة المتعلقة بهذه الآثار أن تمتد بسهولة نحو العناصر الموجودة بجهاز الإدراك الحسّيّ و الشعور . و نتذكّر هنا الهلاوس و أن أكثر الذكريات قوة تكون دائماً متميّزة عن كلٍ من الهلوسة و الإدراك الحسّيّ الخارجي , و بأنه عندما تعود إحدى الذكريات فإن الشحنة النفسيّة تظل باقية في جهاز الذاكرة , أما الهلوسة التي لا تكون متميّزة عن الإدراك الحسّيّ فلا تحدث بمجرّد امتداد الشحنة النفسيّة من الأثر الباقي في الذاكرة نحو عنصر الإدراك الحسّيّ فقط و إنّما بالانتقال إليهِ كليّاً .
تُستَمدّ الآثار اللفظيّة أولاً من الإدراكات السمعيّة و لِذلك كان لجهاز ما قبل الشعور مصدر حسّيّ خاص أما العناصر البصريّة من الصور اللفظيّة , فهي شيء ثانوي و تُكتَسب عن طريق القراءة و قد تلعب الصور الذهنيّة الحركيّة للكلمات دوراً ثانويّاً إلا في حالة الصم البكم , فأساس الكلمة هو فوق كل شيء الأثر الذي يبقى في الذاكرة عن الكلمة التي تُسمع .
لا يجب ان ننسى أهميّة الآثار البصريّة الموجودة في الذاكرة _آثار لِأشياء في مُقابل الكلمات , أو إلى إنكار إمكان ظهور العمليّات الفكريّة في الشعور عن طريق رُجوعِها من الآثار البصريّة و هي الطريقة التي يفضلها الناس. و تُعطينا دراسة الأحلام و الخيالات (القبل الشعوريّة) , طِبقاً لملاحظات(ج.فاريندونك) , فِكرة عن الطابع الخاص بالتفكير البصريّ .
إن ما يظهر في الشعور هو في العادة مادة التفكير فقط , أما العلاقات التي بين العناصر المختلفة لهذه المادة , و هي ما يُميّز التفكير بصفة خاصَّة , فلا تستطيع أن تظهر في صور بصريّة . التفكير بصورة بصريّة إذن , إنما هو عبارة عن الشعور بشكل ناقص جداً فقط , و هو أكثر قرباً إلى العمليات اللاشعوريّة من التفكير بالألفاظ . إذا كانت هذه إذا هي الطريقة التي يستطيع بها ما هو في ذاتِهِ (لا شعوريّ) أن يُصبح (قبل شُعوريّ) , فكيفَ يستطيع ما هو مكبوت أن يُصبِح قبل شعوري ؟ يُمكن أن يحدث , ما هو مكبوت أثناء التحليل , ببعض الروابط القبل شعوريّة المتوسِّطة .
إن الإحساسات و المشاعر الوجدانيّة المتعلقة بسلسلة اللذة و الألم , هي أكثر أوليّة من الإدراكات الحسّيّة الخارجيّة , كما أنها تستطيع أن تنشأ حتّى في الحالات التي يكون الشعور فيها غامِضاً .
لا تتميّز الإحساسات اللذيذة بأية كيفيّة نزوعيّة فطريّة , بينما توجد هذه الكيفيّة في الإحساسات المؤلمة بدرجة كبيرة . فالإحساسات المؤلمة تنزع نحو التغيير و نحو التفريغ , و لهذا السبب نفسّر الألم على أنّه يتضمّن ازدياد شحنة الطاقة النفسيّة , و نفسر اللذة على أنها تتضمن خفضها .
و لنفرض أننا نضيف ما نشعر به على هيئة لذة أو ألم بأنه عقليّ كمّيّ أو كيفيّ غير محدد , فالمشكلة حينئذٍ تُصبح : هل يمكن أن يصبح هذا العنصر شعوريّاً في المكان الذي يوجد فيه بالفعل أم هل يجب أن ينتقل أولاً إلى جهاز الإدراك الحسيّ ؟
تدل الخبرة على صحة الرأي الثاني , فهي تبيّن لنا أن هذا العنصر غير المحدد , يتصرّف كما يتصرّف الدافع المكبوت , فهو يستطيع أن يُبدي قوّة دافعة بدون أن يلاحظ الأنا ما في ذلك من إلزام . و لا يصبح هذا العنصر غير المحدد واضحاً في الشعور على هيئة ألم إلا إذا نشأت مقاومة ضد الإلزام . كما يُمكن أن تظل التوترات التي تنشأ عن الحاجة البدنيّة لاشعوريّة . كذلك الألم هو شيء متوسّط بين الإدراك الحسّيّ الخارجي و بين الإدراك الحسّيّ الداخلي , و هو يتصرّف كأنه إدراك حسي داخلي حتى لو كان صادراً عن العالم الخارجي , و إنَّ الإحساسات و المشاعر الوجدانيّة , تظهر في الشعور حينما تصل إلى جهاز الإدراك الحسيّ .
لا بُدَّ من إيجاد حلقات الربط أولاً قبل أن تتمكن الأفكار اللاشعوريّة من الظهور في الشعور , أما في حالة المشاعر الوجدانيّة , فيمكن أن تنفذ إلى الشعور مباشرةً و بمعنى آخر الفرق بين شعوري و قبل شعوري , يُصبِح بِلا معنى عندما نتكلّم عن المشاعر الوجدانيّة فلا وجود لما قبل الشعور في هذه الحالة . المشاعر الوجدانيّة إما أن تكون شعوريّة أو لاشعوريّة .
حتى لو اتصلت المشاعر الوجدانيّة بالصور اللفظيّة , فإن ظهورها في الشعور لا يتوقّف على هذا الأمر , و إنما تستطيع أن تظهر في الشعور مباشرةً .
دور الصور اللفظيّة هو تحويل العمليّات الفكريّة الداخليّة إلى إدراكات حسّيّة و ذلك يبرهن نظريّة أن مصدر جميع أنواع المعرفة هو الإدراكات الحسيّة الخارجيّة .
و بعد توضيح العلاقات الموجودة بين الإدراك الحسيّ الخارجي و الداخلي و بين جهاز الإدراك الحسي الخارجي (الشعور) , فإننا نستطيع أن نبدأ بشرح فكرتنا عن الأنا .

ينشأ الأنا في جهاز الإدراك الحسّيّ , ثم يبدأ في اشتمال ما قبل الشعور الذي يُجاور الأثار الباقية في الذاكرة , و هو (أي الأنا) منطقة إسقاط لجميع الإحساسات التي تحدث في البدن .
سننظر الآن إلى الفرد باعتبار أنه (هو)نفسيّ مجهول و لاشعوريّ , و يوجد على سطحه (أنا) نما من نواتِهِ جهاز الإدراك الحسيّ و لكن الأنا لا يُحيط بجميع الهوَ و لكنه يحيط به فقط بالقدر الذي يسمح بتكوين جهاز الإدراك الحسّيّ على سطحه, و يشبه ذلك وجود الطبقة الجرثوميّة على البيضة . ليس الأنا منفصلاً عن الهو تمام الانفصال , و إنما يندمج جزؤهُ الأسفل في الهو , و لكن الشيء المكبوت مندمج في الهو و جزء منهُ . المكبوت , شيء قد فصلتهُ عن الأنا المقاومة التي يبذلها الكبت و هو يستطيع أن يتصل بالأنا عن طريق الهو . فالأنا , هو ذلك القسم من الهو الذي تعدَّل نتيجة تأثير العالم الخارجي فيهِ تأثيراً مباشراً بواسطة جهاز الإدراك الحسيّ(الشعور) , و يقوم الأنا بنقل تأثير العالم الخارجي إلى الهو و ما فيه من نزعات , ويحاول أن يضع مبدأ الواقع محل مبدأ اللذة الذي يسيطر على الهو . و يلعب الإدراك الحسيّ في الأنا , نفس الدور الذي تلعبهُ الغريزة في الهو و يُمثّل الأنا ما نسمّيهِ الحكمة و سلامة العقل , على خلاف الهو الذي يحوي الانفعالات . وظيفة الأنا تكون عادةً في تولّيهِ الإشراف على منافذ الحركة و تنفيذ رغبات الهو دائماً كأنها رغباته الخاصّة . و يوجد إلى جانب تأثير الإدراك الحسيّ , عامل آخر لهُ دور في تكوين الأنا و تمايزه عن الهو , و هو بدن الشخص ذاته الذي تنبعث منه الإدراكات الحسيّة الخارجيّة و الداخليّة . و إنَّ للألم دوراً في معرفة أعضائنا و هو الطريقة التي نصل بها إلى فكرتنا عن بدننا الخاص .
مسرح نشاط الانفعالات الدنيا موجود في اللاشعور , وكلما ارتفعت درجة الوظيفة العقليّة في سلم قيمنا , كان ظهورها في الشعور أكثر سهولة .
و لكن تبيَّنَ أن حتّى تلك العمليات العقليّة الدقيقة تتطلب في العادة انتباه شديد , فمن الممكن أن تحدث أيضاً و هي قبل شعوريّة و دون أن تظهر في الشعور . قد تحدث هذه العمليّات مثلاً أثناء النوم(عندما يجد شخص عُقب استيقاظه مباشرةً , أنهُ يعرف حل مشكلة كان يحاول حلها عبثاً في اليوم السابق ). و هناك ظاهرة أخرى , هي قوة نقد النفس و قوة الضمير عند الأشخاص , و هُما في مرتبة عالة جداً بين أنواع النشاط العقلي , لا شعوريّتين . يلعب الإحساس اللاشعوري بالذنب دور إقتصادي هام في عدد كبير من الأمراض العصبيّة , فهو يضع أعظم العوائق في طريق الشفاء .
إن الإحساسات البدنيّة , و هي التي تكوِّن حقيقة الأنا , تنفذ إلى الشعور مباشرةً , أمَّا العمليّات العقليّة قد تكون لاشعوريّة و قد لا تستطيع النفاذ إلى الشعور مباشرةً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

المساهمون

Powered By Blogger